قصة نبي الله (هود) ..

السلام عليكم ورحمه اله وبركاته
اليوم جبتلكم قصة نبي الله هود على بركة الله :
ا
أقامت عاد بالأحقاف ما بين اليمن وعمان. ردحاً من الزمن في بلهنية من العيش,ورغد من

الحياة,حباهم الله نعماً وافرة,وخيرات جليلة,ففجروا العيون,وزرعوا الأرض,وأنشأوا

البساتين,وشادوا الصور,ومنحهم فوق ذلك بسطة في أجسامهم,وقوة في أبدانهم,وأتاهم ما مل

يؤت أحداً من العالمين, ولكنهم لم يفكروا في مبدأ هذا الخلق,ولم يحاولوا التعرف إلى مصدر هذه

النعم؛وغاية ما وصلت إليه عقولهم,وارتاحت إليه طباعهم,أن اتخذوا أصناماً لهم الهة يعنون لها

بجباههم,ويعفرون في ثراها خدودهم,ويتجهون إليها بالشكر كلما وقعوا على خير,ويفزعون إليها

بالستنصار كلما أصابهم ضير.












ثم إنهم بعد ذلك عتو ا في الأرض,فأذل القوي منهم الضعيف, وبطش الكبير بالصغير,فأراد الله ـ

هداية للأقوياء,وتمكيناً للضعفاء,وتهذيباً للنفوس مما ران عليها من الجهل, ورافعاً للحجب التي

تراكمت على بصائرهم ـ أن يرسل إليهم رسولاً من أنفسهم,يحدثهم بلغتهم,ويخاطبهم

بأسلوبهم,ويرشدهم إلى خالقهم, ويبين لهم سفاهة عبادتهم,رحمة منه وكرماً.

وكان هود رجلاً من أوسطهم نسباً,وأكرمهم خلقاً,وأرجحهم حلماً,وأرحبهم صدراً,فاختاره الله ليكون

أمين رسالته,وصاحب دعوته؛ لعله يهيدي هذه العقول الضالة, ويقوم من هذه النفوس المعوجة.

فصدع بالأمر,واضظلع بالرسالة,وادرع بما يدرع به صاحب كل دعوة,عزم يقلقل الجبال,وحلم يهزم

الجهال,وخرج عليهم منكراً أصنامهم,ومسفهاً عبادتهم.

قال: يا قوم,ما هذه الأحجار التي تنحتونها ثم تعبدوها وتلجأون إليها؟!ما خطرها وما غناؤها,وما

ضررها وما نفعها؟! إنها لا تجلب لكم نفعاً,ولاتدفع عنكم شراً,إن هذا إلا ازدراء لعقولكم,وامتهان

لكرامتكم,ولكن هناك إلهاً واحداً حقيقياً بأن تعبدوه,ورباً جديراً بأن تتوجهوا إليه,وهو الذي خلقكم

ورزقكم,وهو الذي أحياكم,وهو الذي يميتكم,مكن لكم في الأرض,وأنبت لكم الزرع,وبسط لكم في

الأجسام,وبارك لكم في الأنعام,فأمنوا به,واحذروا أن تعموا عن الحق,أو تكابروا في الله,فيصيبكم

ما أصاب قوم نوح,وما عهدهم منكم ببعيد.











قال ذلك هود,وهو يرجوا أن تصل كلماته إلى أعماق قلوبهم فيؤمنوا,أو تنفذ إلى عقولهم فيفكروا

ويهتدوا. ولكنه رأى وجوهاً ساهمة وعيوناً حائرة بعد أن سمعوا كلاماً ما لم يكونوا قبل قد

سمعوه,وألقي إليهم قول لم يألفوه. قالوا:ما هذا الذي تهذي به وتخوض فيه؟! وكيف تريدنا أن نعبد

الله وحده من دون شركاء؟! إننا نعبد هذه الأصنام لتقربنا إليه,وتشفع لنا عنده.

قال: يا قوم:إنما الله واحد لا شريك له,وعبادته وحده هي جوهر العبادة ومصاصها,ومخها

ولبابها,وهو قريب غير بعيد,أقرب إليكم من حبل الوريد,أما هذه الأصنام التي تعبدونها زلفى

إليه,وشفاعة عنده فهي تبعدكم عنه من حيث ظننتم أنكم تقربون,وتدل على جهلكم في الوقت

الذي تظنون أنكم تعلمون وتفهمون.

فأعرضوا وقالوا: ما أنت إلا سفيه طائش الحلم,تسفه عبادتنا,وتعيب علينا ما وجدنت عليه. ابائنا . ما

أنت بيننا؟!ما نظن إلا أنك من الكاذبين.










قال هود: يا قوم,ليس بي سفاهة عقل,وحماقة رأي,ولقد عشت معكم دهراً طويلاً فما أنكرتم

علي شيئاً,وما جربتم علي حمقاً ولا طيشاً,وما الغريب في أن يختص الله واحداً من قومه برسالته

ويحمله دعوته؟!إنما الغريب أن يترك الناس سدى من غير رسول,وفوضى لا وزاع لهم ولا

رادع,علي أني لست بيائس من إيمانكم,ولاضائق الصدر بسفهائكم,ففكروا بعقولكم وانفذوا إلى

الحقائق ببصائركم تروا أن الله واحد في كل شيء:في هذا النظام العجيب,والخلق الغريب,والفلك

الدائر ,والنجم الثاقب:

وفي كل شيء له اية تدل على أنه الواحد

فأمنوا به واستغفروه يرسل عليكم السماء مدرارا,ويمددكم بأموال فوق أموالكم,ويزدكم قوة إلى

قوتكم,ولا تتولوا مجرمين.

واعلموا أنكم بعد موتكم سوف تبعثون:من عمل صالحاً فلنفسه,ومن أساء فعليها,فتدبروا

لأنفسكم,وخذوا الأهبة لآخرتكم,وقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم,وإني لكم به نذير مبين.

قالوا: لا شك أن واحداً من ألهتنا قد مسك بسؤ فخولطت في عقلك,ودخل عليك في

تفكيرك,فأصبحت تهذي بكلمات لا حقيقة لها إلا في خلدك,ولا ظل لها إلا في تفكيرك,وإلا فما

الاستغفار الذي يرسل الله بعده السماء ويمد بالمال,ويزيد في القوة؟!وما يوم البعث الذي تزعم أننا

نعود فيه بعد أن نصبح عظاماً نخرة,وجثثاً بالية؟!هيهات هيهات لما تعد وتزعم! { وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا

حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [ الجاثية:24].










ثم ما العذاب الذي تعدنا وتتوقع أن نلقاه؟! إننا لن نذعن لما تقول,ولن نرجع عن عبادة الهتنا,{فَأْتَنِا

بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود:32].

فلما تبين له العناد في أحاديثهم,والإصرار في ثنايل أقوالهم. قال لهم: إني أشهد الله أنني بلغت

وما قصرت؛وجاهدت وما أحجمت,وسوف أظل على هذا البلاغ وذاك الجهاد,ولا أبالي جمعكم,ولا

أخاف بطشكم,فكيدوني كيداً أو أجمعوا بي بطشاً,إني توكلت على الله ربي وربكم؛{مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ

هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [هود:56].

وظل هو يدعو والقوم معرضون.وفيما هم على هذه الحال شاموا سحاباً أسود يعترض

السماء,فاستشرف القوم إليه,وخفوا إلى رؤيته سراعاً,وقالوا :هذا سحاب عارض سيمطرنا,ثم

تهيأوا لاستقباله,وأعدوا حقولهم لنزوله. ولكن هوداً قال لهم:ليس هذا سحاب رحمة,وإنما هو ريح

نقمه,{ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف:24].

وما راعهم إل أن رأوا رحالهم ودوابهم التي في الصحراء,تحملها الريح على أجنحتها القوية,وتقذف

بها إلى مكان بعيد!فداخلهم الفزع وأدركهم الهلع,وهرعوا سراعاً إلى بيوتهم يغلقونها عليهم ظناً

أنهم بذلك ينجون,وكلن البلاء كان عاماً,والخطب شاملاً:إذا حملت الريح رمال الصحراء,وظلت سبع

ليال وثمانية أيام متتاليات,أصبح القوم بعدها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية,وغفا ظلهم,ودرس

رسمهم,وامحى التاريخ أمرهم{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117].

أما هود فقد اوى إليه صحبه,ومن امن به,وظلوا بمكانهم,تهزم حولهم الرياح,وتسفي الرمال,وهم

امنون مطمئنون,حتى هدأت الريح,وصفا الحال ثم انتقل إلى حضرموت,وقضى بعدها الباقية من

عمره. م.ن.ق.و.و.ل.